عدنان کریم
یعد السقوط المدوي للنظام الشمولي البعثي في سوریا، بکل المقاییس، حلقة أخری وربما لیست الأخیرة في تداعي النظام الجیوسیاسي القدیم في الشرق الأوسط. و قد بدأت حلقات تلك التحولات علی تلك المنظومة أولا إثر الهجوم العسکري الکاسح و الشامل لإسرائیل کرد علی هجمات الثامن من أکتوبر من قبل حماس في ٢٠٠٣.
وکان لافتا في بدایة الحلقة الجدیدة من تفاعلات الصراع في سوریا منذ إکتساح مناطق شاسعة من البلاد من قبل قوات ( هیئة تحریر الشام ) و (الإئتلاف الوطني السوري) والتي إنطلقت من مناطق ادلب الخاضعة بالکامل للسیطرة الترکیة، وما تلاها من سقوط نظام البعث و بشار الاسد الشمولي، تزامنها المباشر مع إعلان وقف إطلاق النار في لبنان بین إسرائیل و حزب الله.
وتتفق أغلب الآراء علی الدور المحوري لترکیا راعیة القوی والتنظیمات والمسلحة المتشددة في هندسة الهجوم الکاسح. ولایخفي ترکیا مواقفه بهذا الشأن رغم السعي الحثیث بتمویهها بعبارات دیماغوجیة مبهمة کجزء من الخطاب المیکافیلي لرئیس البلاد رجب طیب أردوغان حیث صرح قبل أیام علانیة بعد إجتماع لمجلس الأمن القومي الترکي ( لقد وجهنا دعوات و نداءات إلی الأسد و قلنا: دعونا نحدد مستقبل سوریا معا و للأسف لم نتلق ردا إیجابیا بشأن هذا الأمر). کما أماط اللثام عن نوایاه بصورة لا لبس فیه حین أکد في تصریحه قبل سقوط النظام بیومین ( إن مسیرة المعارضة مستمرة وهي تواصل تقدمها وإن هدف المعارضة بالطبع هو دمشق و نأمل ان تستمر هذه المسیرة في سوریا دون حوادث و مشکلات).
ومن جانب آخرلا یخفي المراقبون للشأن السوري و تفاعلاته السکوت و الصمت الأمریکیین حیال تصاعد حدة الأزمة منذ بدأ الهجمات المستمرة منذ ٢٧ نوفمبر. کما لا یخفی علی أحد الموقف الإسرائیلي من هذه الحلقة من الصراع حیث تؤکد إسرائیل بأن السیاسة الرعناء لبشار الأسد بعدم تخلیه عن إیران و حزب الله ورفضه تفکیك شبکة الفصائل الموالیة لطهران في سوریا هي من جملة الأسباب التي أدت إلی عزلة النظام و جعلت العالم یتخلی عنه بحیث أصبح صیدا ثمینا للقوی المناوئة له. کما تتربص إسرائیل فرحة بما یجري علی حدودها مع سوریا من تطورات دراماتیکیة مذهلة متحینة الفرص لطرح إملائاتها علی الحکام الجدد في سوریا بعد أن تهدأ غبار معرکة السقوط الکبری في دمشق. ولم تتورع إسرائیل عن الإستیلاء علی المنطقة المنزوعة السلاح في الجولان التي تتواجد فیها قوات من الأمم المتحدة بصفة مراقب.
إنتفاضة إستحالت وبالا علی الشعب السوري
وعودة علی بدء، بدأت الإنتفاضة الشعبیة السوریة في ٢٠١١ کحرکة جماهیریة بهدف تحقیق الحریة و الدیمقراطیة والحیاة الکریمة في البلاد التي ترزح منذ عقود تحت نیر النظام الدکتاتوري لحزب البعث و نظام بشار الاسد. وإتسمت تلك الحرکة في إنطلاقتها بزخم شعبي هائل سلکت مسارها الصحیح من حیث طابعها المدني و الشعبي واسلوبها النضالي وفجرت القوة المستترة تحت رماد القهر والإستبداد لترنو بإتجاه تحولها، في دیمومتها و تجذرها، نحو ثورة شعبیة هادرة بوسعها دك قلاع النظام المتسلط علی البلاد بقوة الحدید و النار منذ ١٩٧٠. ولکن لظروف ذاتیة و موضوعیة خاصة بها و الظروف الداخلیة و الاقلیمیة و الدولیة السائدة في المشهد السیاسي حینذاك، بالإضافة إلی لجوء النظام کعادته إلی أشرس الاسالیب القمعیة، جعلت الإنتفاضة، ورغم إستمرارها، في مهب ریح تدخلات شتی من قبل قوی و تیارات هائجة و متعطشة للسلطة لیس إلا و بمؤازرة ترکیا و دول الخلیج. هکذا أصبحت إنتفاضة الشعب السوري والذي جمعت کل أطیاف المجتمع بعیدا عن المشاعر و الإنتماءات المذهبیة و الطائفیة، بین مطرقة النظام و سندان عشرات القوی والزمرالتي حملت لواء الدین و المذاهب والتشدد القومي الشوفیني توزعت ولاءاتها بین أجهزة مخابرات مختلف الدول بل وکانت تأتمر بأوامر و خطط و إملاءات تلك الأطراف الإقلیمیة التي قامت بفتح خزائن بنوکها ومشاجبها لتمویل أنشطتها.
و قد لعب الفرع السوري لتنظیم الإخوان المسلمین، والتي خرجت کل الفصائل الإرهابیة و المتطرفة من تحت عباءتها، الدور المبادر والرئیسي و منذ ٢٠١٣-٢٠١٤ في فتح الأبواب أمام التدخل الترکي في التحولات التي إتخذت مسارا تصاعدیا بإتجاه تمییع الإنتفاضة من حیث دفعها بإتجاه طائفي مقیت و حرفها نحو هاویة التطرف و العنف المسلح و ربطها بأجندات لا تربطها صلة بالاهداف العتیدة لها. کل ذلك فتح الباب علی مصراعیه أمام الآلاف من شذاذ الآفاق من کل أصقاع المعمورة بالتوجه نحو سوریا حیث أصبح البلاد مسرحا لکل من هب و دب من تنظیمات و عناصرإرهابیة و متطرفة من افغانستان و الشیشان وترکمانستان وکازاخستان و دول الخلیج و شمال افریقیا والخلیج و العراق و باکستان و بین معظم الجالیات المسلمة في البلدان الغربیة بل و حتی الصین سالکة طریق ترکیا بدعمها و تسهیلاتها لتدخل کلها لسوریا بذریعة الدفاع عن السنة و إعلاء رایة الدین و المذهب.
و قد منح کل ذلك ذریعة و ورقة رابحة لنظام بشار الاسد في سعیه لعسکرة أجواء البلاد أکثر و أکثر و الإیغال بقوة و زخم متزایدین في لجوئه للقمع و إستعمال کل الوسائل المتاحة للتنکیل بالشعب السوري و دفن الإنتفاضة الشعبیة.
و قد زاد من بلة الطین في الأزمة السوریة منذ ٢٠١٥ تحدیدا التدخل الروسي و الإیراني بهدف الحیلولة دون سقوط النظام. کل ذلك أدت إلی تحول سوریا لساحة صراع إقلیمي شرس تذرعت من خلالها إسرائیل لقص اجنحة إیران و میلیشیاتها المتعددة المنخرطة في الوحل السوري.
و بعد الحرب الدائرة في غزة إختلطت الأوراق أکثر و أکثر إثر إنخراط حزب الله البناني في مهاجمة إسرائیل تحت شعار ( دعم غزة ) بإملاء و دفع إیرانین مکشوفین مستخدمة الاراضي السوریة لنقل الصواریخ و المقاتلین بین سوریا و لبنان.
و هکذا و مع إحتلال ترکیا لأجزاء واسعة من الشمال السوري و دعمها المکشوف للتنظیمات الإرهابیة المنخرطة في المشهد السوري و تصاعد دور الإرهاب المسلح، تم تمییع کل الصراع السیاسي في البلاد و إختزالها بین قوی النظام الدکتاتوري المتهاوي و المتخندق في جبهة مع إیران و روسیا من طرف و ترکیا و شلة من التنظیمات الإرهابیة و المتشددة کإلإئتلاف الإسلامي الفضفاض المنضوي تحت رایة جبهة تحریر الشام والإئتلاف الوطني السوري المؤتمر مباشرة بأوامر المخابرات الترکیة، من طرف ثان.
قوات سوریا الدیمقراطیة
تشکلت قوات سوریا الدیمقراطیة کتیار سیاسي یرنو إلی رؤیة سوریا کوطن تشارکي مبني علی قواعد الدستور بحیث یکفل حقوق مواطنیها في ظل نظام دستوري دیمقراطي تعددي یکون لمواطني البلاد الحریة الکاملة في إختیارنوع النظام الذي یرتأونه. ونظرا للسیاسات القومیة المتشددة تجاه الکرد في سوریا منذ تأسیسها و حرمانهم من النشاط السیاسي و الحقوق الأساسیة الثقافیة و السیاسیة و خاصة في ظل حکم البعث و عائلة الأسد، فقد رکزت قوات سوریا الدیمقراطیة علی مبدأ المواطنة و الحقوق المتساویة لکل أبناء البلاد و طي صفحة الإضطهاد القومي بحق الکرد في البلاد ضمن نظام دیمقراطي و علماني کجزء متمم لا یتجزء من قضیة الحریات السیاسیة في سوریا ککل.
کما برز دور هذا الفصیل السیاسي و العسکري خاصة في دحرها للإرهاب الإسلامي و المتمثل بشکل خاص بتنظیم داعش الذي إجتاح مساحات واسعة من البلاد دون أن یقف بوجهها سائر القوی الأخری أو الجیش السوري النظامي. ولیس بخاف علی أحد الدور الترکي المباشر و غیر المباشر في دعم داعش و غیرها من التیارات المتطرفة. وقد هدفت ترکیا من خلال دعمها تلك التیارات خلق مناخ ملائم لإسقاط نظام بشار الأسد وبناء نظام سیاسي توأم لها في سوریا من جهة کما کانت تسعی و حتی هذه اللحظة، سواء عن طریق هجماتها علی المناطق الکردیة و کیل الضربات المتتالیة ضد قوات سوریا الدیمقراطیة، دون مشارکة الکرد و قوات سوریا الدیمقراطیة في مستقبل سوریا حیث شکلت سیاسة معاداة الکرد والحیلولة دون نیلهم حقوقهم في ظل نظام دیمقراطي في سوریا جزء ثابتا من استراتیجیتها و تدخلها في سوریا و شرطا للموافقة علی کل ترتیب سیاسي مستقبلي لسوریا.
کما ینبغي التأکید، و خلافا لما تروجه ترکیا زورا و عن سابق تصمیم، بأن قوات سوریا الدیمقراطیة لا تسعی للأنفصال عن سوریا بل تسعی لحل القضیة الکردیة في إطار الدیمقراطیة في سوریا و کجزء لا یتجزء من قضیة الدیمقراطیة و الحریات في البلاد. کما لم تشکل طوال نضالها داخل سوریا خطرا علی ترکیا و حدودها بل کان ضحیة مباشرة للتدخل الترکي و إحتلالاتها و التطرف الهمجي الذي رسخته بین صفوف جزء من المعارضة السوریة. ولیس القصد من إثارة تلك المزاعم الترکیة الباطلة سوی تألیب الرأي العام السوري و العربي علی ( قسد ) خصوصا و الکرد عموما و إخفاء جوهر سیاستها و تدخلها و خلق الفتنة بین مکونات الشعب في سوریا. أنها لیس سوی جزء من السیاسة الترکیة الرامیة إلی إقامة حکومة موالیة لها في سوریا و فرض إملائاتها علی السوریین.
السیناریو المرتقب
لیست القوی الداخلیة المتصدرة للمشهد الحالي فیما یسمی بالمعارضة المسلحة و تحدیدا ( هیئة تحریر الشام ) و مجمل الفصائل المتشددة المنضویة في إئتلاف معها و کذلك قوات ( الإئتلاف الوطني السوري ) ، في واقع الأمر، سوی ادوات تأتمر بفرمانات ترکیا أو تتحرك بالتنسیق معها مراعاة لمصالحها. و ما التأکیدات المتکررة للرئیس الترکي أردوغان وسعیه للنأي بنفسه عن التصعید الراهن سوی توزیع للأدوار و جزء مکمل لسیناریو أكثر تعقیدا لمستقبل سوریا یکون فیها ترکیا من بین أکثر المستفیدین منها.
إلا إن ترکیا عاجزة لوحدها في رسم مستقبل البلاد بدون أطراف دولیة أکثر شأنا و بأسا و طموحا بشکل خاص وأعني هنا الولایات المتحدة الأمریکیة و إسرائیل.
فموقف الولایات المتحدة لم یطرأ علیه حتی اللحظة تغییر جوهري إذ و علی الرغم من سقوط النظام السوري و إزاحة الأسد من السلطة لازالت أمریکا تفتقر إلی رؤیة سیاسية واضحة علی الأقل بشکلها المعلن. فلاتزال أمریکا تؤکد علی أولویة محاربة داعش و هو موقف یترجم عملیا بإعطاء الضوء الأخضر لمجری الأحداث بأن تسیر في مسارها الراهن و لو مؤقتا و توکیل الإشراف المباشر لسیر العملیة لترکیا کما یبدو. کما لم تعلن واشنطن، و یبدو ذلك عن قصد، دعمها الصریح للقوی الممسکة بزمام السلطة بحکم الأمر الواقع و التي تتصدرها ( جبهة تحریر الشام ) والمصنفة منظمة إرهابیة من قبلها حتی اللحظة الراهنة وإن کان لیس من المستحیل نزع تلك الصفة عنها من قبل أمریکا حینما یتطلب ذلك سیاستها و موقفها اللاحق ربما.
فیما یخص ترکیا فقد ثبت بصورة ملموسة خلال العقد الماضي بأنها غیر قادرة علی حل الأزمة السوریة لوحدها. فعلی الرغم من نزعتها التوسعیة في المنطقة و خاصة في الملف السوري و میولها الطائفیة في هذا الصدد، فأن مواقفها بالإجمال تتقاطع سلبا، في بعض النقاط علی الأقل، مع مواقف و سیاسات کل من الولایات المتحدة و إسرائیل بصفتهما اللاعبین الأقوی فیما یخص مستقبل سوریا ضمن مخططهم للشرق الأوسط في الظرف الراهن. لذا بات أردوغان مدرکا لذلك و متفهما لحدود خیاراته و لیس بوسعه الإستئثار بکل الاوراق المتعلقة بمستقبل سوریا القریب بیدیها. فالواقعیة السیاسیة تلزمها، کما یبدو، بتغییر نهجه في هذا الملف و الإستدارة نحو الدخول في سیناریو مشترك أو التنسیق علی الأقل مع واشنطن و تل أبیب في أیجاد حل لهذا الملف الشائك. و هنا تتلاقی مصالح کثیرة بوسعها بل و تدفع بإتجاه ترمیم العلاقات الترکیة مع المحور الأمریکي – الإسرائیلي. فحرب غزة و لبنان، عدا عن التحولات الدراماتیکیة الجاریة في سوریا، تمخضت عن تراجع هائل للدور الإقلیمي لإیران. أما في الجهة المقابلة فلابد للمحور الأمریکي – الإسرائیلي من إیجاد غطاء إسلامي لمشروعهما المشترك في الشرق الأوسط و هنا تمس الحاجة للدور الترکي لتزکیة و تمریر ذلك المشروع و مبارکتها بالإشتراك مع دول أقل قوة في المنطقة کالسعودیة و الإمارات و قطر. کما إنها، أي ترکیا، لا تملك قاعدة شعبیة قویة تثق بها في صفوف المجتمع السوري الذي ینظر بعین الریبة و الحذر إلیها لعوامل تاریخیة و کذلك دورها خلال العقد الماضێ في تسعیر نار الفرقة و أزمات البلاد. ویبدو بإن جبهة تحریر الشام وهو الطرف الأقوی في الصراع الراهن مقارنة ب ( الإئتلاف الوطني السوري ) الأکثر موالاة لترکیا، لا تری في تحالفه الراهن مع ترکیا سوی مرحلة تکتیکیة لابد منها لذا لایمکن الإئتمان بها کحیلف استراتیجي في مستقبل سوریا.
کما تسعی امریکا و من ورائها إسرائیل، من جهة أخری، لإبعاد ترکیا عن روسیا و إعادتها للحظیرة الأمریکیة بصورة أکثر حزما.
أما فیما یخص الدور الروسي و مآلاته في سوریا فیبدو من مسار التطورات المیدانیة و کذلك التحرکات الدبلوماسیة بشأن الملف السوري بأنها من جهة باتت مدرکة بأنها لعبت في الوقت الضائع في وفي لعبة خاسرة خاصة مع سقوط النظام من جهة و عدم قدرتها کذلك علی حسم الصراع العسکري في الجبهة الاوکرانیة، من الجهة الأخری، لذا فخیارها الوحید القبول بصفقة مع امریکا مقابل منحه إمتیازات في الملف الاوکراني من أجل تصفیر دورها في سوریا.
وفي ظل هیمنة القوی الظلامیة و المتشددة الظافرة في مرحلة مابعد السقوط فإن مآلات الأوضاع لاتشي بخیر خاصة في ظل خریطة القوی السیاسیة الجدیدة. ففي رده علی أسئلة مراسلة CNN الأمریکیة صرح محمد الجولاني بأن الشعب السوري سوف یعیش ” بأمان ” و إن نسخته الإسلامیة لنظام الحکم هو النسخة الاصیلة و غیر المتشددة. هکذا و بکل بساطة و بدلا عن التأکید علی دولة المواطنة و فصل السلطات و التداول السلمي للسلطة و الرخاء المجتمعي و مبدأ المساواة أمام القانون و الإنخراط الفعال مع المجتمع الدولي لإعادة بناء البلاد و غیرها من المفردات الرائجة في الفعل السیاسي، لا یکلف ” محرر السوریین ” نفسه حتی ولو قلیلا من الدیماغوجیة بل یعلن بصریح العبارة بأنه قادم لبناء دولة دینیة علی أنقاض نظام شمولي قومي.
وفي إستذکار تاریخي و في رده علی سؤال أکد آیة الله الخمیني قبل أیام من تبوأه دفة السلطة الشمولیة القمعیة في إیران بأن نظامه الإسلامي سوف لن یسن قوانین بفرض الحجاب الإسلامي علی النساء الإیرانیات. و بعد قیام النظام الإسلامي و إستتاب الأمور للسلطات في إیران و فرض قوانین دکتاتوریة صارمة أوضح الخمیني حین تذکیره بوعده المذکور قائلا: کانت تلك حیلة و مضت. و یبدو إن الجولاني لا یلزم نفسه حتی بتغلیف موقفه بشأن مستقبل البلاد و لو بحیلة من الطراز الخمیني بل یعلنها بالفم الملآن من الآن بأنه قادم لقیام حکومة إسلامیة في سوریا أو حکومة تحکمها الشریعة حیث لافرق.
ولربما یتسائل البعض: ألیس من المبکر الحکم علی کیانات سیاسیة لم تمض سوی ساعات علی دخولهم دمشق؟ لأقول بأن تاریخ عقد من التطرف و التشدد و صولات الجولاني في العراق و سوریا مع القاعدة و جهاده اللاحق في صفوف جبهة النصرة و تسلطه الدموي الشرس في إدلب حینما کان لازال في صفوف ” المعارضة ” و وعده قبل أیام بأقامة الحکومة الدینیة في البلاد، لا یترك مجالا للشك في مراميه اللاحقة شرط إن تسنی له ولم یتم کبح جماحه.
ومع الأخذ بنظر الإعتبار کل الظروف المتشابکة المحیطة بالوضع السوري نستطیع القول بأن البلاد بات علی کف عفریت و خاصة في ظل غیاب دور ملموس لشعبه المکبل بتاریخ مثقل بندوب وجراحات الدمار و الدکتاتوریة و التدخل الخارجي المصحوب بالإرهاب و التعمیة و التجهیل الذي أدی إلی إختزال آماله في سقوط النظام الدموي فقط ولا یهمه إن کان القادم هو الشیطان بعینه.
دیسمبر 2024
Leave a Comment
Your email address will not be published. Required fields are marked with *